كثيرون مَن يُقدِّمون النَّصيحة ، لكنَّها ء للأسف
ء دعوةٌ للشَّر والإفسادِ في الأرض ، وخاصةً بين أوساط الشباب وطُلاَّبِ المدارس ،
حيثُ يكثُرُ أصدقاءُ السُّوءِ مِمَّن لا يُريدونَ الخيرَ لغيرهم . فينصحون
الشَّابَّ بالسرقةِ ، وعقوقِ الوالدين ، وفِعل الحرام ، ومُعاكسةِ الفتيات ،
وتعاطي المُخدِّرات ، مِمَّا يَعودُ بالضرر على هذا الشَّابِّ وأسرتِه ومُجتمعِه
.. فعلى الشَّاب ألاَّ يقبل نُصحَهم ، وألاَّ يسمعَ لهم ، بل عليه ألاَّ يُصاحِبهم
، وأنْ يبتعِدَ عنهم .
من آداب النصح :
العلم : فينبغي للناصح أن يكون متأكداً مما ينصح به ، عالماً بصواب ما
يقول وينصح به ، حتى لا يُضلل المنصوح ، أو يتسبب في أذيته. عَنْ عَطَاءٍ عَنْ
جَابِرٍ قَالَ : خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ
فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ هَلْ تَجِدُونَ لِي
رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ فَقَالُوا مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ
عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ
اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ
السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ (وَيَعْصِب عَلَى جُرْحِهِ
خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ)"
الأمانة : أن يكون قاصداً الخير في نصحه ، لا إساءته أو تضليله.
الحكمة : فينبغي على الناصح أن يكون حكيماً في نصحه ، فلا يكشف
ستر منصوحه ، فينصحه أمام الآخرين ، أو يُشعره بالدونية ، أو يتعالى عليه بنصحه
"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"
الذكاء : بانتقاء الكلمات الرقيقة التي تدفع المنصوح للإنصات
وقبول التوجيه.
الرفق
عند النصح: أرسل الله عز وجلَّ رسوليه الكريمين موسى وهارون عليهما السلام إلى
فرعون، وما أدراكَ ما هو! فقال لهما: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى *
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43،
44]، وقال مُذكِّرًا نبيه ءصلى الله عليه وسلمء بمفتاح القلوب: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ
مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا
مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ
فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، ومن الشواهد العملية على ذلك أنَّ أعرابيًّا
بال في المسجد، فهمَّ به الصحابة فأمرهم النبي ءصلى الله عليه وسلمء بتركه وعلَّم
الرجل تعليمًا رفيقًا رقيقًا وقال لأصحابه «إنَّما بُعثتم مُيسِّرين ولم تُبعثوا
معسِّرين»[5]، وفي موقف آخر يأتيه شابٌّ يستأذنه في الزنا، فيهمُّ به الصحابة،
ولكنَّ النبي ءصلى الله عليه وسلمء الحريص على أمته يتلقَّفه بمِبضع الجرَّاح
الماهر الذي لا يُحسُّ معه المريض بأيّ ألمٍ، فيخرج الشابُّ وقد برأ من علَّته
بإذن الله